أحمد أبو رتيمة
abu-rtema@hotmail.com
أرسل أخ داعية من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية عبر الانترنت إلى رجل غربي يعرفه بدين الإسلام ويشرح له أوجه العظمة فيه،فرد عليه الغربي قائلاً:كيف تريدون أن تقنعونا بدينكم وأنتم أبعد ما تكونون عن الحضارة والتقدم والنظام،وواصل الغربي رده المزلزل: 'قدموا للعالم شيئاً مفيداً في البداية،ثم بعد ذلك نبدأ النقاش'.هذه الرسالة وإن صاغها شخص واحد فإنها تلخص نظرة عامة لكثير من غير المسلمين تجاه المسلمين ودينهم،وإذا كنا متفقين بأننا لسنا حجة على الإسلام إلا أننا شئنا أم أبينا فنحن المرآة العاكسة لهذا الدين أمام البشرية،،وهذه الرسالة وإن كانت قاسية على نفوسنا إلا أنها في جزء منها تعبير عن الحقيقة،وينبغي أن تشكل لنا عامل تحد واستفزاز إيجابي،فواقعنا بلا شك هو مثل سيئ لا يشجع على التأسي والاقتداء،وأخطاؤنا لا تحتمل التبرير والمداراة،ومشكلات مثل العجز الحضاري والتخلف العلمي والفقر والبطالة التي تغرق فيها أمتنا لا تساعد في إقناع الآخرين بصحة المنهج الذي ندعو إليه،وحين من الله على المطرب البريطاني كات ستيفنز بالإسلام وتحول إلى يوسف إسلام ورأى بعد ذلك الواقع السلبي للمسلمين قال : :' الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف أهله' وهو محق في هذا إذ كيف يقتنع الناس بعظمة تعاليم ديننا ونحن لا نمارسها على أرض الواقع،و كيف نقنعهم مثلاً بأن الإسلام هو دين العدل وهم
يرون الاستبداد ضارباً بجذوره في بلادنا،وكيف نقنعهم بأن الإسلام هو دين العلم ونحن نقدس الجهل والخرافات في حياتنا،وماذا يفيد صراخنا على المنابر بأن أجدادنا قدموا للبشرية وأفادوها ونحن عاجزون اليوم عن تقديم أي شيء بل صرنا عالةً على الآخرين نستهلك ما ينتجون ونأكل مما يعملون،'كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون'.
ولعل هذا ما دفع أحد الدعاة إلى القول: (من أجل أن نقنع الغرب بالدخول للإسلام ، ينبغي علينا أن نقنعهم أولاً بأننا لسنا مسلمين ، ولا نمثل حقيقة الإسلام)،وهي عبارة فيها معنى كبير وإن كانت غير قابلة للتحقيق على هذا الوجه إذ يصعب الفصل بين النظرية والتطبيق،أو بين الأفكار والأشخاص خاصةً لدى عموم الناس.
لقد علمنا القرآن الكريم أن ندعو بهذا الدعاء:' رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا'،والمؤمنون يكونون فتنة للذين كفروا حين يذلون بإسلامهم ويكون الكفار أعزة بكفرهم فيقولون: لو كان الإسلام حقاً لكانوا أعزة،وأي فتنة أعظم للكفار من واقع المؤمنين اليوم المفرط في الذل والهوان.
إن الدعوة إلى الإسلام لا تكون بالحديث النظري عن خصائصه ومزاياه ولكنها قبل ذلك تكون بتقديم أسوة حسنة للبشرية في مجال العلم والحضارة والقيم والأخلاق،فلسان الحال أبلغ من لسان المقال والناس تتأثر بما ترى أكثر مما تسمع،وفي القرآن الكريم مشهد ذو دلالات مهمة
وهو مشهد إسلام ملكة سباً مع سليمان،فإسلامها لم يكن نتيجة لإقناع نظري قام به سليمان
ولكن نتيجة إعجابها بإنجاز حضاري وهو الصرح الممرد من قوارير:
(فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
إن واقع المسلمين اليوم هو أكبر دعاية مضادة للإسلام،وإذا أردنا أن ننجح في مهمة الدعوة التي فرضها الله علينا،فإن علينا الالتفات إلى أنفسنا وإصلاح أوضاعنا،وترجمة المبادئ الإسلامية العامة إلى صيغ تطبيقية،فنقيم العدل في بلادنا ونطلق الحريات ونعالج الفقر والبطالة،وننظف طرقاتنا،ونحسن مخاطبة الناس بلسان العصر وبالحكمة والموعظة الحسنة،وحينها سنكسب ثقتهم وستكون لنا مصداقيتنا.
صحيح أن الإسلام هو دين الله الخالد وقد تكفل بحفظه بنا أو بغيرنا،وصحيح أن الإسلام يستمد قوته من ذاته وليس من أدعيائه أو أتباعه،ولكن الله قد جعل للجهد البشري دوره وأهميتهً،فحين يحسن المسلمون الدعوة إلى دينهم فعلاً وقولاً سيدخل الناس فيه أفواجاً لقدرته على منافسة المناهج الأخرى والتغلب عليها،أما حين يكون الواقع كما نرى فستكون النتيجة صدوداً وإعراضاً عن الإسلام،وحتى لو استمر انتشاره بفعل قوته الذاتية فسيكون بمستوى أقل،ولا يعفينا من مسئولياتنا أمام الناس وأمام الله في الدنيا والآخرة.
والله أعلى وأعلم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق