الأربعاء، 21 يوليو 2010

في النقد الذاتي

أحمد أبورتيمة

abu-rtema@hotmail.com

تطرب النفس البشرية للمديح والإطراء ويسكرها خمر الثناء ،وهي بطبعها تتألم من النقد ولا تميل إلى سماع صوت المخالفين لها. هذه القاعدة نجدها في حياة الأفراد والجماعات ,ولو تأملنا ما تخطه أقلام الكتاب على اختلاف ألوانهم الفكرية والسياسية لرأينا قاسماً مشتركاً يجمعهم وهو أن غالبيتهم العظمى تهتم في كتاباتها بتعديد مناقب أحزابها وإظهار الوجه المشرق لها والسعي لإثبات صحة المواقف المتبناة منها.ورغم أن بعض المقالات تحتوي على جرعات نقدية للذات وتدعو إلى المراجعة والتصحيح إلا أن التوجه العام لا يزال هو الرضا عن أداء النفس والركون إلى الإنجازات التي تحققت. وربما سعى بعضهم إلى تبرير هذا التوجه بالقول أن التركيز على بعض الأخطاء التي لا مناص من الوقوع بها ونحن نتحدث عن جهد بشري ربما أدى إلى الإحباط , وربما منح فرصة للمتربصين للطعن في الجماعة وتصيد الأخطاء لها.

إن أهمية المراجعة والنقد ليست في أنها تمنع من الوقوع في أخطاء صغيرة لا يسلم منها أي جهد بشري , ولكنها تنبع من قيامها بدور الكابح الذي يمنع تكرار هذه الأخطاء ويحول دون تفاقمها وتراكمها .لذا فإن غياب هذا المنهج يصيب جسم الجماعات بمرض فقدان المناعة ويجعله مهيئاً للإصابة بكل أنواع الأمراض الفتاكة . إن انتقاد الذات ولومها رغم مرارته لا نستطيع الاستغناء عنه ,وإن أي جماعة تسعى لتحسين أدائها والارتقاء بمستواها يجب أن تتعامل مع النقد الموجه إليها مثل الدواء يتجرعه الإنسان ولا يكاد يسيغه ولكنه يجلب الشفاء والعافية. بل إن عليها أن تبادر بفتح الباب واسعاً أمام الآراء المخالفة ,وأن تنصت جيداً لها لأن من شأن هذه الآراء أن تفتح آفاقاً رحبة أمام دوائر صنع القرار ,وأن تنبههم إلى كل الاحتمالات والتوقعات التي ربما غاب عنهم بعضها .

 ولعل شبهة تطرح في هذا السياق وهي أن من شأن هذا النقد النابع من أشخاص محسوبين على الحركة أن يضعفها أمام خصومها ويظهرها بمظهر المنقسمة على نفسها .ولكن هذه الشبهة تزول إذا نجحت الحركة في تقديم نموذج جديد للناس وهو أنها معنية بهذه الانتقادات وأنها هي من يشجعها ,وفي هذه الحالة ستصبح هذه الحركة جديرة بالاقتداء وليس بالذم .فكما أن الدول الغربية لا يعيبها أن تخرج فيها أصوات معارضة لسياسات حكوماتها , ولا يحق لنا في البلاد العربية أن نعيبهم في هذا ونحن نكتم الرأي الآخر ,كما لا يحق لنا أن نعتبر الصوت الواحد الذي لا يسمع غيره في بلادنا دليل صحة وعافية.

 إن علينا ألا نشغل أنفسنا كثيراً بالتحدث عن إيجابياتنا ومحاسن أعمالنا ,وليكن لنا في أبي بكر الصديق أسوة حسنة فهو الذي لو وزن إيمانه في كفة وإيمان الأمة في كفة لرجح إيمانه ,ومع ذلك لم تسجل له مقولة واحدة يثني فيها على نفسه ,أما الذين أكثروا من الحديث عن أنفسهم عبر مراحل التاريخ المختلفة فهم أقل كثيراً من أبي بكر بل إنهم لا يقارنون به .

 لنترك أفعالنا تتحدث عنا ,أما نحن فمن المفيد لنا أن نشغل أوقاتنا باستكشاف مواطن الخطأ والقصور في أدائنا وتصحيحها,وخير لنا أن نقوم أخطاءنا بأنفسنا قبل أن يكتشفها عدونا ويستثمرها ضدنا. إن هذه الانتقادات ستشكل لنا مصدر قوة و إثراء إن أحسنا التعامل معها .أما إذا تجاهلناها واكتفينا بالابتسامات الدبلوماسية في وجوه أصحابها لتطييب خواطرهم ,فإننا سنكون قد حرمنا أنفسنا من خير كثير لأننا سنصيبهم بالإحباط وسنفقدهم الثقة في قدرتهم على تصحيح القرارات الخاطئة.

إن عظم التحديات التي تعصف بالحركة ،وثقل المسئوليات الملقاة على عاتقها يجعل من الواجب عليها أن تنصت جيداً لكل رأي ,وأن تنشئ لجاناً متخصصة لرصد الأقوال الصادرة عن أعدائها وأصدقائها سواءً ،وحتى ينجح هذا التوجه ينبغي ألا يكون هناك محرم في تناوله .فما دامت الأدوات المستعملة في النقاش هي الدليل والبرهان فكل شيء قابل للوضع على بساط البحث,وإن كانت هناك خيارات أفضل فسنظفر بها .

 إن تشجيع النقد الذاتي هو الضمانة الأكيدة للارتقاء بمستوى الأداء وهو الذي سيحصن الحركة وسيمنحها عناصر قوة إضافية , ويبقى من مسئولية السادة الكتاب أن يقللوا من جرعات الثناء والمديح ,وألا يترددوا في توجيه النقد البناء إذا لزم الأمر فإن من حق المسلم على المسلم أن ينصحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق