الجمعة، 24 فبراير 2012

المبادرة الفردية قوة للمجتمع
أحمد أبورتيمة
يوم الثلاثاء الماضي 21-2-2012 خرجت مع مئات الفلسطينيين في غزة للتظاهر نصرةً للشعب السوري في وجه الجرائم الممارسة ضده، وخرجت تظاهرة أخرى في الضفة لذات الهدف. وكانت التظاهرتان تعبيراً عن موقف أخلاقي مبدئي بعيداً عن أي حسابات سياسية أو حزبية.
لكن هاتين التظاهرتين بالإضافة إلى الهدف المباشر والمتمثل بالاستجابة لنداء الفطرة الإنسانية، وتلبية الواجب الأخلاقي والديني بنصرة المظلومين في كل مكان استطاعتا تحقيق فائدة أخرى لا تقل أهميةً عن الهدف المباشر..
هذه الفائدة الأخرى تمثلت في كسر حالة الجمود، والاستقطاب الحزبي في الساحة الفلسطينية، والتي عطلت العمل الشعبي الحر، ورهنت أي تحرك على الأرض بقرار من أحد التنظيمات ، فالمنتمون إلى الأحزاب المختلفة لا يتحركون إلا بقرار تنظيمي، فلا ينظرون إلى طبيعة النشاط ورسالته، بل ينظرون إلى الجهة الداعية إليه.
التظاهرتان جاءتا مخالفتين لهذا النمط السائد إذ إنهما كانتا بعيدتين عن أي اعتبارات تنظيمية، وكان المبادرون للدعوة والتحشيد لهما مجموعة من الشباب الذين حرروا أنفسهم من القيود التنظيمية والحسابات السياسية، ولم يكن تحركهم إلا بدافع أخلاقي وإنساني خالص.
ليس من الشائع في الساحة الفلسطينية القيام بمبادرات شعبية حرة إذ أن هيمنة الاستقطاب التنظيمي في هذه الساحة قد أضعف كثيراً من مثل هذه المبادرات وأعطى التنظيمات وحدها فرصة احتكار المشهد وتصدر الواجهة وقيادة الأنشطة.
أدى هذا الاستقطاب الحزبي الحاد إلى نتائج وخيمة، فعطل الطاقات الفاعلة في المجتمع، وأمات حيويته، وأفقد أبناءه روح المبادرة، فلم يعد الإنسان في ظل هذه الأجواء الحزبية حراً في تفكيره ومبادرته، بل ألغى شخصيته وأغمض عينيه وسلم عقله لأحد التنظيمات ليفكر بالنيابة عنه، فهو في انتظار توجيه من التنظيم حول ماذا يفعل وماذا لا يفعل..
هذا الواقع أضعف المجتمع وألحق ضرراً فادحاً به لأنه حرمه من إمكانيات أبنائه وأفكارهم، وحصره في حدود حزبية ضيقة، فلم يعد مجتمعاً ثرياً بالأفكار نابضاً بالحياة، يشيع فيه تبادل الآراء وتلاقح الأفكار، ويستطيع فيه المبدعون تحقيق أنفسهم، إنما تحول إلى مجتمع راكد أشبه بالأموات يقتله الروتين والتكرار، وتطغى عليه الأساليب التقليدية دون إبداع أو ابتكار، ويسير فيه الناس في اتجاه واحد سيراً أعمى في ظل غياب الروح النقدية التجديدية.
لم يكن الضرر الناتج عن الاستقطاب الحزبي قاصراً على أفراد المجتمع وحسب بل إنه طال حتى التنظيمات ذاتها، لأنه أضعف قدرتها على المناورة السياسية، فطبيعة التنظيمات تحتم عليها أن تكون محكومةً بقيود وحسابات كثيرة فتكون حركتها بطيئةً ثقيلةً..على خلاف الأفراد الذين لا يقيدهم ما يقيد الجماعات فحركة الأفراد أسرع وأكثر مرونةً وأقرب إلى العفوية والتلقائية من حركة الجماعات والدول، فهناك مساحة يستطيع الأفراد أن ينجزوا فيها ما لا تستطيع الجماعات الكبيرة بكل إمكانياتها وعناصرها أن تنجزه.
لقد تفطنت الثقافة الغربية بذكائها إلى هذه الميزة التي يتمتع بها الأفراد فعملت على تعزيز المبادرة الفردية، وتشجيع الأفراد على الإبداع والخروج عن التقليد مما يعود في نهاية المطاف بالنفع على عموم المجتمع، لذلك نرى أن الحراك الاجتماعي في المجتمعات الغربية أكثر مرونةً من مثيله في المجتمعات الشرقية، وأنها تتقدم بخطىً أوسع لأن أي فرد مبدع يمتلك فكرةً يستطيع في ظل أجواء الحرية والتقدير التي يتمتع بها أن يدعو لفكرته ويحشد لها الأنصار حتى تتحول إلى تيار اجتماعي واسع فتترسخ هذه الفكرة في المجتمع وتتحول إلى قرار سياسي..
إن قدرة الأفراد على التحرك في المساحة التي تتقيد فيها التنظيمات يمنح التنظيمات ذاتها-لو أنها أوتيت مرونةً في التفكير وخروجاً من القالب الجامد الذي حشرت نفسها فيه- القدرة على استثمار هذه المبادرات الفردية إيجابياً فتستفيد منها بإيجاد هامش للمناورة، ولا تنظر للأفراد بأنهم أعداء للتنظيم إن أعلنوا عن شخصيتهم ورفضوا الذوبان في قالبه.
إن على التنظيمات أن تحرر نفسها من الجمود، وأن تخرج من عباءتها الضيقة فتعلم أن المجتمع أكبر من أي تنظيم مهما علا شأنه، وأن المجتمعات تستعصي على كل محاولات التذويب والاحتواء، وقيمة المجتمعات ليست في أحاديتها، بل في تنوعها وصخبها الفكري والسياسي، فالتنوع قوة للمجتمع لأنه يجعله مجتمعاً نابضاً بالحياة مرناً يدرك التغيرات سريعاً ويؤقلم نفسه معها.
العلاقة بين المبادرة الفردية والعمل التنظيمي هي علاقة تكاملية لا تصادميةً. والأحزاب في وطننا العربي مطالبة بإدراك طبيعة هذه العلاقة، فكون الفرد منتمياً لإحدى الأحزاب لا يلغي شخصيته فلا يتحرك إلا بقرار تنظيمي، ولا يحوله إلى آلة صماء يتبع الحزب على غير بصيرة، ويتبنى كل أفكاره دفعةً واحدةً دون نقد ومراجعة، بل يظل له تميزه الفردي وشخصيته المبدعة، ومساهمته على أرض الواقع التي يتقدم بها المجتمع ويتطور مما ينعكس على التنظيم ذاته بالنفع على المدى البعيد.
قيمة تظاهرة الثلاثاء أنها تعتبر من المرات القليلة في الساحة الفلسطينية التي تنظم فيها تظاهرة خارج عباءة التنظيمات حيث كان المبادر إلى هذه الدعوة نشطاء شباب تحركوا بدوافعهم الإنسانية الخالصة واستعانوا بالمواقع الالكترونية التفاعلية في الحشد، ودفعوا من جيوبهم الخاصة لتمويل هذه الفعالية، فلم يسع أبناء التنظيمات وكوادرها إلا أن يحترموا هذه المبادرة ويشاركوا فيها، مما يشكل انقلاباً في المعادلة فلم تعد التنظيمات بحساباتها المعقدة وحركتها البطيئة وحدها هي التي تقود الأفراد بل صار بإمكان الأفراد أيضاً بمرونتهم وقربهم من نبض الجماهير أن يبادروا فيحدثوا تقدماً في مسار التنظيم، دون أن تعيب هذه الأسبقية للأفراد التنظيم، فما التنظيم إلا نتاج عقول أبنائه، وكلما كانت حرية التفكير لأبنائه أوسع كلما انعكس ذلك على تقدم التنظيم.
إن تشجيع المبادرات الفردية فيه قوة للمجتمعات وتفجير لطاقاته الشبابية وتحرير له من حالة الجمود والاستقطاب.
والله أعلم..

السبت، 11 فبراير 2012

سأتظاهر نصرةً لسوريا

أحمد أبورتيمة

abu-rtema@hotmail.com

صدري يختنق..ضميري لم يعد يحتمل السكوت..المحنة التي يتعرض لها إخواننا في سوريا تعرينا جميعاً وتضعنا في مواجهة سافرة مع أنفسنا..هذا هو البلاء المبين..الثورة السورية لم تكن ابتلاءً لإخواننا في سوريا وحدهم بل هي محنة عامة للغربلة والتمحيص وليميز الخبيث من الطيب وليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين..

كان الله قادراً أن ينصر هذه الثورة منذ شهرها الأول، ولكن ثمة حكمة بالغة في إطالة أمدها لتتمايز الصفوف وليخرج الله ما في الصدور..كم من الحقائق تكشفت في عمر الثورة السورية وكم من الشعارات الزائفة تهاوت..

كانت هذه الثورة اختباراً لإيمان الشعب السوري فتبين الصادق من الكاذب، ورأينا من اختار الانحياز إلى الحق والعدل ومن اختار الاصطفاف إلى جوار نظام القتل والإجرام..

لكنها لم تكن اختباراً للشعب السوري وحده، بل كانت اختباراً لمن هم خارج سوريا أيضاً فتعرت حقيقة روسيا والصين وتكشف تجردهما من كل خلق وإنسانية، وتبينت حقيقة نفاق المواقف الغربية أيضاً وبعدها عن اتخاذ مواقف جادة لنصرة الديمقراطية.. كما انكشفت حقيقة مهزلة النظام الرسمي العربي كما لم يحدث من قبل، وسقطت أسطورة إيران وحزب الله سقوطاً مدوياً كما لم يحدث من قبل أيضاً..

هذه المحنة العامة لم تستثن أحداً حتى طالتنا نحن أيضاً..

نشعر بالحرج مع كل يوم وأسبوع وشهر ينقضي دون أن تحسم الثورة ونود لو أنها حسمت بسرعة فيرتفع عنا الحرج ونرجع إلى حالة الاستقرار..ولكن غاب عنا أن بقاء الأمور في الدائرة الرمادية حتى حين مقصود لذاته للاختبار والتمحيص..

إن علينا بدل أن ننتظر انقشاع الغمامة وجلاء الصورة، أن نسارع إلى الالتحاق بالصادقين، وأن نسجل موقف شرف قبل فوات الأوان..

هي محنة عظيمة تتطلب منا الاختيار بين السياسة وما تقتضيه من تجرد من الأخلاق والإنسانية أو بين الانتصار للإنسانية مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر وصعاب..وإن وقت الاختيار محدود للغاية لأن كل دقيقة تمر في سوريا تعني مزيداً من الدماء والأشلاء والضحايا..

لقد أقضت سوريا مضاجعنا فما عاد في الوسع أن ننام نوماً هانئاً ونحن نرى مشاهد الموت المروعة لأطفالنا ونسائنا من هناك..

إن إنسانيتنا ذاتها في خطر، وعلينا أن نسارع لإنقاذ كرامتنا وليس لإنقاذ شعب سوريا وحسب..

إن كل ما تلقناه من دروس ومحاضرات حول المبادئ لم يعد لها قيمة إن لم تجد طريقها اليوم نحو العمل..

لأنني أنتمي إلى بني آدم قررت التظاهر نصرةً لمن ينتمون إلى بني آدم في سوريا..

أعتذر أن تكون كل هذه المقدمة السابقة لمجرد تظاهرة، لكن هذا هو جهد المقل فاعذرونا يا أهل سوريا..

لقد بادرت بنفسي لهذه الدعوة في غزة لأنني لا أريد أن يقال إن غزة لم تتظاهر نصرةً لسوريا، واخترت أن أدعو لهذه التظاهرة بنفسي لأنني أود أن يخرج الشعب الفلسطيني من حالة الاستقطاب الحزبي التي قتلت حيويته وعطلت طاقاته وقدراته وجعلته رهينةً للقرارات والاعتبارات الحزبية..

كان شعوري بضرورة إعادة الاعتبار للشعب وإعادة تفعيل الطاقات الشابة دافعاً لي بأن أتخذ هذا القرار بمبادرة شخصية وأن أعتمد وسائلي الخاصة في الحشد والتحضير..

يسألني الناس كم تتوقع أن يحضر هذه التظاهرة، فأقول لهم:ليس هذا مهماً.. المهم أن يكون هناك موقف لأعبر عنه حتى لو كنت لوحدي..كثيراً ما تراودني فكرة "تظاهرة الفرد الواحد"..فلا يقاس نجاح التظاهرة بعدد من شاركوا فيها، بل يقاس بأن يكون هناك موقف للتعبير عنه حتى لو كان الفرد لوحده.

في قرآننا نجد إعلاءً لقيمة الموقف الفردي حيث يخلد القرآن مواقف لأفراد كانوا وحدهم في مواجهة التيار الاجتماعي الجارف، ومع ذلك يخلد القرآن مواقفهم ليكون في ذلك عبرة لنا بأن نثق بفرديتنا وألا ندع تيار المجتمع يجرفنا ويلغي شخصياتنا، فمؤمن آل فرعون الذي يفرد القرآن سورةً كاملةً تتحدث عنه كان فرداً ، ومؤمن آل ياسين الذي جاء من أقصى المدينة يسعى كان فرداً ، وإبراهيم كان وحده ومع ذلك وصفه القرآن بأنه أمة "إن إبراهيم كان أمة"...

إن المجتمعات تنتظر من يكسر جدار الخوف ويأخذ بزمام المبادرة لتتبعه، ونسأل الله عز وجل أن يكتب لنا أجر السبق فيحرك بنا ركوداً ويجعلنا سبباً في الحياة بعد الموت..

تفاصيل فنية حول التظاهرة:

ستنطلق التظاهرة يوم الأحد 12-2 الساعة الحادية عشر صباحاً من أمام مقر المجلس التشريعي متجهةً صوب مقر الأمم المتحدة خلف قصر الحاكم..

نرجو من الراغبين في المشاركة أن يحضروا معهم الأعلام السورية-أعلام الثورة-والأعلام الفلسطينية، والشعارات المساندة للثورة السورية..

نؤكد على الطبيعة الشعبية الخالصة لهذه التظاهرة وبعدها عن أي تأطير أو تحزيب وبأنها ستتم بجهود ذاتية محضة، كما ننبه إلى أنه سيكون هناك تغطية إعلامية للتظاهرة من قبل عدد من الفضائيات..

نرجو من الإخوة القراء من غزة عدم الاقتصار على القراءة أو التعليق وإنما ننتظرهم في الموعد أن ينزلوا إلى الميدان..

والله الهادي إلى سواء السبيل..

الجمعة، 10 فبراير 2012

الثورات العربية مؤامرة!!

أحمد أبورتيمة

يقول المنهزمون نفسياً إن كل ما يشهده الوطن العربي مخططات أمريكية، وإن أمريكا هي التي تصير الأحداث فتؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وإن أمريكا قد أحاطت بكل شيء علماً، فلا يعزب عنها مثقال ذرة في الأرض، وما من غائبة إلا تعلمها أمريكا، وإليها يرجع الأمر كله، ولا يكون إلا ما تريد، فكل ما أرادته فهو كائن، وكل ما هو كائن فقد أرادته "سبحانه وتعالى عما يشركون"..

فإذا سألتهم ما هي مصلحة أمريكا في التخلص من أنظمة موالية لها وترك زمام الأمور في يد الشعوب وما قد ينجم عن ذلك من انتخابات تأتي بأنظمة معادية لأمريكا..تلعثموا في الإجابة..فمنهم من أجاب إجابةً تبدو منطقيةً في ظاهرها، ومنهم من قال: لا ندري..المهم أنها مؤامرة أمريكية..

فرضية المؤامرة التي يعتمدها هؤلاء لا تستند بالضرورة إلى الأدلة والشواهد المنطقية، فهناك حكم مسبق قد استقر في دائرة لا شعورهم أن كل ما يحدث في وطننا تقف وراءه أيد خارجية، وهذا الحكم اللا شعوري هو الذي يوجه تفكيرهم، فلا يرون الأمور إلا من خلال منظار قاتم..

التحليل السيكولوجي لأصحاب هذه النظرية هو أن طول أمدهم بالهزيمة قد شوش صفاء تفكيرهم حتى صاروا عاجزين عن تخيل أي نصر أو نجاح، فإذا حدث أن انتصرت الأمة في موطن من المواطن صرفوا هذا النصر عن ظاهره واجتهدوا في تأويله والتنقيب في خفاياه حتى يظهروا الجانب السلبي له، وهم حين يفعلون ذلك يظنون أنهم قد أوتوا من الذكاء ما لم يؤتَه الآخرون، وأنهم قد تفطنوا إلى حقائق الأمور بينما غيرهم سذج أغرار قد انساقوا وراء العاطفة ولم ينفذوا من ظاهر الأحداث إلى باطنها..فإذا رأوك فرحاً بسقوط أحد أنظمة الاستبداد عكروا عليك فرحتك قائلين: لا تفرح فإن ثمة مؤامرةً..وإن كل ما يحدث هو مخطط محكم منذ عشرات السنين حاكته أمريكا والصهيونية والماسونية والامبريالية العالمية..

يصل الهوس بأصحاب نظرية المؤامرة إلى درجة جنونية لا يستقيم معها عقل، فيخرجون أمريكا من دائرة البشرية إلى دائرة الألوهية ويصورونها كما لو أنها تملك أن تتحكم في كوامن الصدور، فأمريكا هي التي أخرجت الثمانية مليون مصري من بيوتهم إلى الشوارع ليهتفوا بسقوط مبارك، وأمريكا هي التي أنجحت الإسلاميين في انتخابات تونس ومصر، وكأن أمريكا تملك قوةً خارقةً تمكنها من أن تنفذ إلى قلوب صفوف الناخبين وتوحي إليهم بأسماء القوائم التي صوتوا لها..

لقد كبلت الهزيمة النفسية هذا الفريق حتى أقعدتهم عن بذل أي جهد للانعتاق من الأغلال التي في أعناقهم،

وأفقدتهم الثقة بأنفسهم وبشعوبهم وأمتهم فصاروا يعبدون أمريكا من دون الله وسلموا أمرهم كله إليها، وقعدوا عن بذل أي جهد نحو التغيير والإصلاح لقناعتهم بأنه لا يمكن مواجهة أمريكا والتغلب عليها..

هذه الثقافة الانهزامية هي التي تصنع الهزيمة، فقوة أمريكا هي في نظرتنا إليها قبل أن تكون فيما تمتلكه من سلاح وعتاد، وضعفنا ناتج عن ضعف ثقتنا بأنفسنا، وليس عن ضعف ما نمتلكه من طاقات كامنة، وهذا الفريق قد حبس نفسه في صندوق من الأفكار السلبية السوداء لا يتجاوزه فهو لا يرى في الحياة من حوله أي فرصة نجاح أو بارقة أمل فيظل متخبطاً في ظلمات الهزيمة والفشل..

لا ننفي وجود مؤامرة من أعدائنا تستهدف إبقاءنا في ظلمات التخلف والجهل، لكن الفرق بين نظرتنا و نظرة هذا الفريق هو أننا نضع معرفتنا بهذه المؤامرة في سياق إيجابي فنرفع من مستوى اليقظة والحذر، ونضاعف جهدنا الفكري والبدني حتى نفشلها، لكن ذلك الفريق يتخذ من هذه المؤامرة المفترضة ذريعةً لتعطيل قدراته ولتعميق حالة اليأس بين الناس، والتخاذل عن أي عمل أو جهد..

في الوقت الذي نؤمن فيه بوجود هذه المؤامرة فإننا نؤمن أيضاً بقدرة الشعوب، فكما أن أعداءنا يخططون، فإن في شعوبنا قدرةً أيضاً على التخطيط والانتصار، فأمريكا لا تملك كل الأوراق حتى لا يكون إلا ما تريد..

صحيح أن أمريكا تحاول بكل جهد استغلال واقع ما بعد الثورات في حرف هذه الثورات عن أهدافها، ولكن هذا لا يعني أنها هي التي صنعت الثورات ابتداءً..وما تفعله أمريكا لا يزيد عن كونه ركوباً للموجة ومحاولةً لتوجيه الأحداث في الاتجاه الذي يخدم أهدافها، واللوم يقع علينا أننا تركنا الساحة فارغةً ولم نبادر للعمل في الاتجاه الذي يحقق أهدافنا..

ثار غضبي على أحد هؤلاء المنهزمين نفسياً حين قال: إن نتائج انتخابات ما بعد الثورات هي مؤامرة بريطانية، وإن أكثر قادة الإخوان كانوا يقيمون في بريطانيا، وهي التي أسست جماعتهم..قلت له: إن أصحاب التضخيم الإعلامي يستغلون جهلنا وزهدنا بالقراءة ليحشوا في عقولنا ما يريدون..إنك لا تعرف شيئاً عن ظروف نشأة جماعة الإخوان المسلمين وأنها جاءت استجابةً لتحد حضاري، وقد كان مبدأ نشأتها في مصر على يد حسن البنا من الإسماعيلية..

ثم قلت له:هب أن كل ما يحدث في الوطن العربي هو محض مؤامرة غربية..لماذا لا نكون أذكى منهم فنبحث في واقع ما بعد الثورات -التي هي مؤامرة حسب وجهة نظرك- عن الفرص الإيجابية التي تتيحها لنا مثل سقوط جدار الخوف، واستعادة الناس ثقتهم بأنفسهم فنستغل هذا الواقع الجديد في توجيه هذه المؤامرة في اتجاه معاكس يعود بالنفع علينا، وبذلك نقلب السحر على الساحر ويحيق المكر السيئ بأهله..

والله أعلم..