هل تعرفون قصة الفيل نيلسون؟!
أحمد أبورتيمة
abu-rtema@hotmail.com
يورد الدكتور إبراهيم الفقي في كتابه الرائع قوة التحكم في الذات قصة فيل يدعى نيلسون أسره أحد الصيادين وربطه بسلسلة حديدية، فحاول الفيل التخلص من هذه السلسلة دون جدوى، وظل يحاول جاهداً كل يوم من أوله إلى آخره، ومع تكرار المحاولات وتكرار الفشل أدرك نيلسون عجزه عن التحرر من قيده فما كان منه إلا أن استسلم وتوقف عن محاولاته.حينها استبدل الصياد سلسلةً خشبيةً بالسلسلة الحديدية، وكانت السلسلة الجديدة من الهشاشة بحيث يستطيع الفيل أن يكسرها بسهولة ويتحرر من قيده، لكنه لم يفعل وظل في أسره، وحين سأل الطفل أباه مستغرباً عن السبب الذي يدفع الفيل للبقاء في أسره بينما هو قادر على التحرر منه بسهولة، أجابه الأب: إنني أعرف أن الفيل قادر على التحرر من قيده، وأنت تعرف ذلك، لكن المهم أن الفيل نفسه لم يكتشف بعد هذه القدرة..
إن هذا الفيل لم يكن في واقع الأمر مقيداً بالسلسلة الخشبية سهلة الانكسار، بل إن قيداً آخر هو الذي كان يمنعه من التحرر وهو قيد برمجته السلبية وقناعاته الراسخة بعجزه فلم يكن يفكر مجرد تفكير في محاولة التخلص من قيوده والانطلاق نحو الغابة الواسعة..
مثل هذا الفيل ينطبق على كثير من البشر الذين تقيدهم أفكارهم السلبية وثقافة العجز وفقدان الثقة بالذات وغفلتهم عما حباهم الله به من إمكانيات وقدرات، فتؤدي هذه النظرة إلى إحجامهم عن مجرد محاولة النجاح والانتصار في الحياة، ويظلون أسارى لأوهامهم ظناً منهم بأنه قدر عليهم أن يظلوا طوال حياتهم فاشلين مهزومين وأن النصر والنجاح هو حليف أعدائهم إلى الأبد..
والعوائق التي تحول دون نجاح هؤلاء هي عوائق ذاتية وليست موضوعيةً..فنحن من نصنع الهزيمة أو النصر بالقدر الذي نقرره لأنفسنا، وأعداؤنا هم أقوياء بالدرجة التي نرسمها في أذهاننا لحدود هذه القوة، وقدرتنا على الانتصار عليهم مرهونة بمدى تحرر نفوسنا من العبودية لهم، وحين رأينا في عام 2011 سقوط أنظمة استبدادية عاتية كانت تحكم شعوبها منذ عقود بالحديد والنار، فهذا ليس لأن هذه الأنظمة قد ضعفت فجأةً بعد أن كانت قويةً طيلة السنوات الخالية، لكن الذي تغير هو أن الشعوب قد أدركت أخيراً سر قوتها، فما كان منها إلا أن حطمت السلسلة الخشبية وانطلقت نحو الحرية..
يذكر لنا التاريخ إلى أي مدىً يصل أثر برمجة الهزيمة على الإنسان ففي زمن اجتياح التتار يروى أن أحد جنود التتار حين كان يقابل أحد المسلمين في الطريق كان يطلب منه أن يظل واقفاً في مكانه حتى يذهب ويحضر سيفه ليقتله..فما يكون من هذا الرجل إلا أن يظل متسمراً لا يتزحزح من موضعه حتى يعود الجندي بسيفه فيقتله..هذا الرجل كان يستطيع على الأقل أن يحاول الفرار لا أن يستسلم بهذه الطريقة الذليلة، لكن الهزيمة النفسية التي ملأت قلبه بتصورات عن قوة التتار الخارقة، وعبث أي محاولة للتغلب عليهم شلت قدرته عن بذل أي محاولة للنجاة بنفسه..
إن أكبر معيق يواجه الإنسان في حياته هو برمجته بالأفكار السلبية لأن هذه الأفكار هي التي تصنع سلوكه وهي التي تحدد مستقبله، والفرق بين إنسان ناجح وآخر فاشل ليس ميزات إضافيةً وهبها الخالق للأول ونزعها من الثاني، بل إن الفرق هو أن الأول اكتشف مواطن قوته فاستثمرها، بينما الثاني لم يكتشفها فظل متخبطاً في ظلمات فشله وهزيمته..
يقدم لنا القرآن الكريم نظرةً إيجابيةً تجاه الإنسان حتى تكون هذه النظرة دافعاً لنا للنجاح، فالإنسان في القرآن هو سيد الكون، وهو الذي سخر له الخالق ما في الأرض جميعاً منه، وهو الذي كرمه الله ونفخ فيه من روحه، وفضله تفضيلاً، ولم يجعل لأحد من سلطان عليه، حتى الشيطان فإن كيده كان ضعيفاً.
وهذه النظرة الإيجابية للإنسان في القرآن الكريم كفيلة لمن يتدبرها بأن تحرره من قيوده وتضع عنه الإصر والأغلال، وتبعث فيه القوة للانطلاق نحو النجاح وهزيمة كل الظروف والعوائق فقط عليه ألا يظلم نفسه، وأن يضعها في المكان اللائق بتكريم الله عز وجل لها..
إن خطورة البرمجة السلبية هي أنها تجعل على قلوب أصحابها أكنةً فيصابوا بالعمى، ولا يروا الحياة إلا بمنظار أسود قاتم، ولا يعودوا قادرين على اكتشاف مواطن القوة الذاتية واستثمارها فيهزموا من داخلهم بفعل هوانهم لا بفعل قوة الأعداء.
لقد مرت بي آية في كتاب الله لمست فيها معنىً جديداً وهي قول الحق عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ"..هذه الآية تبين الدور الخطير للبرمجة السلبية في خذلان الإنسان ساعة المواجهة، ويشير القرآن في هذه الآية ذاتها إلى ضرورة التحرر من أثقال الماضي بفتح باب العفو "ولقد عفا الله عنهم"..ومفهوم التوبة في الإسلام ما هو إلا تعبير عن التحرر من أغلال الماضي، والانطلاق بأفكار إيجابية نحو المستقبل..
إن اكتشاف القدرة على الانتصار والنجاح هو أكثر من نصف الطريق نحو تحقيقهما، والقيمة الاستراتيجية للثورات العربية قبل أن تقاس بما أحدثته من تغييرات سياسية فإنما تقاس بأنها حررت الشعوب من حقبة الهزيمة النفسية وفقدان الثقة بالذات، ونبهتها إلى مواطن القوة الكامنة فيها، مما أعطى هذه الشعوب قوة دفع في اتجاه تحقيق النهضة وصناعة الحياة..
والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق