الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

مليار جائع..ذنب الطبيعة أم الإنسان
أحمد أبورتيمة
بمناسبة يوم الغذاء العالمي الذي وافق السادس عشر من أكتوبر قبل أيام أطلقت منظمة الأغذية الدولية الفاو تحذيراً مرعباً بإعلانها أن عدد جوعى العالم بلغ مليار إنسان وهو رقم مهول يعني أن واحداً من كل ستة أشخاص في كرتنا الأرضية لا يتوفر لهم الحد الأدنى من الغذاء..
هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد هذا العدد الهائل من البشر بالموت غالبيتهم من دول الجنوب في أفريقيا وآسيا تأتي في الوقت الذي يتهدد فيه الموت آخرين ولكن لسبب آخر وهو التخمة الناتجة عن الإسراف والتبذير إلى حد الطغيان، وبذلك صارت المعادلة على هذا النحو:الجوع للكثيرين والتخمة للقلة.
بعض الإحصاءات التقريبية تبين لنا مدى اختلال القسمة.هذه الإحصائيات تقول إن 20% من سكان الأرض، وغالبيتهم من الشمال يحوزون على أكثر من 80% من الثروات، بينما ال80% الآخرون يحوزون على أقل من 20%..
هناك قول مأثور لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنه ما افتقر فقير إلا بغنى غني، هذه المقولة الحكيمة تعني أن مشكلة الجوع ليست بسبب نقص الموارد أو لزيادة أعداد البشر كما يزعم المترفون ليخلوا ساحتهم من المسئولية، ولكنها نتيجة اختلال العدالة وسيطرة الجشع، وهذه الحكمة تؤكدها الأرقام التي تثبت بأن موارد الأرض تكفي لإشباع سكانها وزيادةً، وأن الخلل هو في سلوك الإنسان وليس في الطبيعة.
يقول الباحثان فرانسيس مور لابيه وجوزيف كولينز في كتابهما الذي اختارا له اسم (صناعة الجوع.. خرافة الندرة)، وهو كتاب معبر في عنوانه وقيم في مضمونه، يقولان إن العدد الهائل للجوعى في العالم يوجد في مواجهة وفرة الموارد وهنا تكمن الإهانة.
وبحسب الإحصائيات الواردة في الكتاب فإن العالم ينتج كل يوم رطلين من الحبوب لكل رجل وامرأة وطفل على وجه الأرض، هذا عدا البقول والفواكه والخضروات واللحوم، وهذا الإنتاج الوفير لكوكب الأرض الذي يدحض فكرة أنه لا يوجد غذاء للجميع يأتي رغم أن الأرض لم تستنفد طاقتها فعدد الأراضي المزروعة في الأرض لا تبلغ نسبتها أكثر من 44% من الأراضي الصالحة للزراعة..
ما دام الإنتاج الغذائي بهذه الوفرة إذاً أين تكمن المشكلة؟
يقول جيفري ساكس مدير معهد الأرض فى جامعة كولومبيا الأمريكية وأحد أكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم في كتابه " نهاية الفقر " إن الدول الغنية قادرة وخلال فترة وجيزة على القضاء علي الجوع و الفقر لكنها لا تريد..
إذاً فالمشكلة هي مشكلة إرادة وليس قدرة..
وقد كشف الدكتور جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو في لقائه مع الإعلامي أحمد منصور مدى الخداع الذي تقوم به الدول الكبرى وهي تتحدث عن مكافحة الفقر والجوع بينما لا تبذل جهداً حقيقياً في هذا الاتجاه.
يقول جاك: إن ميزانية أكبر منظمة معنية بمحاربة الجوع في العالم لا يزيد عن 350 مليون دولار في العالم في الوقت الذي يبلغ فيه عدد الجوعى مليار إنسان مما يعني أن نصيب كل جائع سنويا لا يزيد عن أربعين سنتا هذا في حالة أن المنظمة لا تنفق شيئا علي إدارتها..
ويبدو أن مسئولية الدول الغنية عن مشكلة الجوع لا تقتصر على ضعف الإرادة عن بذل جهود حقيقية لمكافحته، ولكنها تتعدى ذلك إلى كونها تستعمل الغذاء كسلاح سياسي لتحقيق أطماعها في فضيحة أخلاقية يندى لها جبين الإنسانية، فهذه الدول المترفة لا تقدم معونةً للدول الفقيرة لوجه الله تعالى، وهي لا تفعل ذلك إلا بعد حسابات سياسية واقتصادية تضمن لها مزيداً من السيطرة والنفوذ..
وفي ذلك يذكر كتاب صناعة الجوع أن السيناتور هيوبرت همفري في منتصف القرن الماضي انتقد الذين يريدون أن تكون المعونة الغذائية مجرد وسيلة للتخلص من الفائض، ورأى في الغذاء سلاحاً سياسياً قوياً، وهذا ما ترجمته السياسة الأمريكية حين قطعت المعونة عن تشيلي فجأةً عندما انتخبت حكومةً لا تتوافق مع أهواء مصالح الشركات الأمريكية..
ولهذا السبب أيضاً رفضت الولايات المتحدة عام 1974 توسيع برنامج الغذاء العالمي الهادف لمعاونة مناطق المجاعات لأنهم لا يريدون المساهمة بالغذاء في المناطق الأقل خضوعاً لسيطرتهم والتي لا يستطيعون فيها التأثير بشكل ملموس في توزيع المعونة..
ليس هذا فحسب بل إن أمريكا تعمل جاهدةً على منع قيام اكتفاء ذاتي من الغذاء في بلدان العالم الثالث لضمان ألا تكون تنمية حقيقية، فتضع القيود على زراعة القمح، ويدل على ذلك رهن نفقتها السنوية على مصر بعدم التوسع في زراعة القمح..
إن أمريكا تمارس تجاه بلدان العالم الثالث ما يمكن وصفه بسياسة حماية التخلف لإبقائها سوقاً استهلاكيةً لصادراتها، وحتى تظل يد أمريكا هي العليا ويد هذه البلدان السفلى..
إن العدالة الإلهية قد أودعت في الأرض من الكنوز والثروات ما يحقق الكفاية والرخاء للناس جميعاً، وإن الأرض رحبة لم تضق يوماً على سكانها، وما كان الله ليظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وما مشكلات العالم إلا من صنع أيدي البشر ليذيقهم بعض ما كسبوا من الجشع والطمع واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا فلم يظلم بعضهم بعضاً لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض..
إنه لمن العار على حضارة القرن الواحد والعشرين التي غزت الفضاء وقفزت إلى مستويات خيالية من العلم والتكنولوجيا ألا تحل مشكلة هذا العدد المهول من الفقراء فضلاً عن أن تكون سبباً في إيجادها، وإنه لا قيمة لحضارة تتقدم فيها المادة ويهان فيها الإنسان الذي هو سيد الكون. وإن كل هذه الحضارة المادية لا تعني شيئاً ما دامت عاجزةً عن إطعام الناس من جوع وتأمينهم من خوف، وما دامت هذه الحضارة قائمةً على الجشع بعيدةً عن الأخلاق والإنسانية فإنها تفتقد إلى مبررات البقاء، وتسير نحو الهاوية، وهي كما وصفها المفكر روجيه جارودي تحفر قبرها بيديها..
أليس غريباً بعد كل هذا أن يتساءل الغرب عن سر كراهية الشعوب لهم، وعن سبب انتشار العنف والإرهاب، ألا يحق لمن لا يجد قوت يومه أن يخرج على الناس شاهراً سيفه؟
والله أعلى وأعلم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق